إن
يوم عيد الفطر المبارك هو اليوم الذي يتوِّج الله به شهر الصيام ، ويفتتح
به أشهر الحج إلى بيته الحرام ، ويجزِل فيه للصائمين والقائمين الأجر
والجزاء والإكرام ، إنه عيدٌ تمتلئ به قلوب المؤمنين فرحاً وسروراً ،
وتنشرح به صدورهم لذة وحبوراً ، يخرج الناس فيه لربهم حامدين ومعظمين
ومكبرين ، ولنعمته بإتمام الصيام والقيام مغتبطين وشاكرين ، ولخيره وثوابه
وأجره مؤمِّلين وراجين ، يسألون ربهم الكريم أن يتقبل أعمالهم ، وأن يتجاوز
عن سيئاتهم، وأن يعيد عليهم هذا العيد أعواماً عديدة وأزمنةً مديدة على
خيرٍ وطاعةٍ لله الكريم .
وثمة أمور يجدر بنا أن تكون منا على بال وأن نتذكرها يوم العيد :
- فينبغي
أن نتذكر ونحن نعيش فرحة العيد
إخواناً لنا اخترمتهم المنية وأدركهم الموت
؛ فلم يشهدوا جمع العيد، فهم في قبورهم محتجزون ، وبأعمالهم مرتهنون ،
وبما قدَّمت أيديهم في هذه الحياة مجزيون ، وتيقَّنوا أنكم إلى ما صاروا
إليه صائرون فهم السابقون وأنتم اللاحقون ، فلا تنسوهم من دعوة صالحة بأن
يقِلَّ الله عثراتهم ويغفر زلاتهم ويُعلي درجاتهم ويجعل قبورهم رياضاً من
رياض الجنة ، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين ، اللهم اغفر لهم وارحمهم
وأكرم نزلهم ووسِّع مدخلهم .
- وتذكروا
وأنتم تعيشون فرحة العيد بصحة وعافية إخواناً لكم أقعدهم المرض وأعاقهم عن
شهود جمع العيد ، فهم في المستشفيات راقدون وعلى الأسرة ممدَّدون ، منهم
من أمضى الشهور الطويلة ، ومنهم من أمضى الأسابيع العديدة ، ومنهم من لا
يُغْمَضُ له جفنٌ ولا يَهْدَأُ له بال في آلامٍ متعِبة وأوجاعٍ مؤلمة وهم
يودون لو شاركوا إخوانهم فرحتهم ، فاحمدوا الله على ما أنتم عليه من صحة
وعافية وسلامة ولا تنسوهم من دعوة صالحة أن يشفي مرضهم ويزيل بأسهم ويفرِّج
همهم ويكشف كربهم ، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم رب الناس
أذهب ما بهم من باس واشفهم أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر
سقماً .
وإن
من أفضل الأعمال في يوم العيد وأكثرها نفعاً زيارتهم في أماكنهم ومواساتهم
والدعاء لهم ، روى الإمام أحمد وأبو داود عن عليٍّ رضي الله عنه قال: (( سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا عَادَ
الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى
يَجْلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً
صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ كَانَ
مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ))(1).
- وتذكروا
وأنتم تعيشون فرحة العيد السعيد بأمنٍ وأمان وراحةٍ واطمئنان إخواناً لكم
أهلكتهم الحروب وأرقتهم الخطوب وأقلقتهم الفتن وسلط عليهم العدو ؛ فأريقت
منهم الدماء ، ورُمِّلت النساء ، ويُتِّم الأطفال ، ونُهِـبَت الأموال ،
فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من أمنٍ وأمان ولا تنسوا إخوانكم أولئك من
دعوة صالحة أن يُنَفِّسَ الله كربهم ويفرج همهم ويكبِتَ عدوهم وينصرهم عليه
، اللهم أعزّ الإسلام وأهله في كل مكان ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين ، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً
وسائر بلاد المسلمين .
- وتذكروا
وأنتم تعيشون فرحة العيد السعيد بالحلل البهية والملابس الجميلة إخواناً
لكم أرَّقهم الفقر وعظمت فيهم الحاجة ؛ فمنهم من لا يجد لباساً يواريه أو
مسكناً يؤويه أو طعاماً يغذيه أو شراباً يرويه ، بل منهم من مات في مجاعاتٍ
مهلكة وقحطٍ مفجع ، فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من نعمة ولا تنسوا
إخوانكم هؤلاء من دعوات صالحة أن يغني الله فقيرهم ويشبِع جائعهم ويسد
حاجتهم ويكشف فاقتهم ويقضي دينهم . اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت
الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك
شيء ، اللهم اقضِ عنهم الديْن وأغْنِهم من الفقر ، اللهم اكفهم بحلالك عن
حرامك وأغنهم بفضلك عمن سواك . ولا تنسوهم من مدِّ يد المساعدة لهم بمالٍ
أو لباسٍ أو طعامٍ أو لحافٍ أو نحو ذلك { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } [المزمل: 20] ، { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [البقرة: 215] .
- وتذكروا
وأنتم تعيشون فرحة العيد السعيد بإكمال الطاعة في رمضان وإتمام القيام
والصيام إخواناً لكم قيدتهم الذنوب وكبَّلتهم الخطايا ؛ فمضى المؤمنون
المجدُّون في طاعة الله وتنافس الصالحون الناصحون في التقرب إليه ، وهؤلاء
في لهوهم وغيِّهم سادرون ، وعن طاعة الله والتقرب إليه متقاعسون ، وعلى
المعاصي والخطايا والآثام مقيمون ، تمر عليهم مواسم العبادة والمنافسة في
فعل الخير فلا يتحركون ، فاحمدوا الله على ما أمدكم به من طاعة وما هداكم
إليه من تقرب إلى مرضاته ، وسلوه الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد ،
ولا تنسوا إخوانكم أولئك من دعوة صالحة بأن يهديهم الله إلى الخير وأن
يردهم إلى الحق رداً جميلاً . اللهم اهدِ ضال المسلمين وأرشد الحائرين
وردهم إلى الحق رداً جميلاً ، اللهم وعافي المبتلين ، وتب على العصاة
والمذنبين .
- وتذكروا
وأنتم تعيشون فرحة العيد السعيد أن الله قد أكرمكم في شهر رمضان المبارك
بتصفيد الشياطين - أي بسلسلتها وتقييدها - فلم تكن تخلص إلى ما كانت تخلص
إليه قبل رمضان ، وكأني بهم بعد انتهاء شهر رمضان قد انطلقوا من قيودهم
وقاموا من أصفادهم بعزيمة وحقد محاولة لتعويض ما فاتهم من إغواء الناس
وإضلالهم في شهر رمضان { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر: 6] ، ولا يمكن لأحد أن يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله والمحافظة على طاعته وتجنب معاصيه والاستعاذة بالله منه { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [97] وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [المؤمنون: 97-98] .
- وتذكروا
باجتماعكم يوم العيد يوم الجمع الأكبر حين تقومون يوم القيامة لرب
العالمين حافيةً أقدامكم عاريةً أجسامكم شاخصةً أبصاركم ، يوم تُنشر
الدواوين وتُنصب الموازيين { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [34] وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [35] وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [36] لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34-37] ، فأعدّوا لذلك اليوم عدَّته وتزودوا ما دمتم في دار العمل فإن خير الزاد التقوى .
اللهم
آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، ووفقنا
لصالح الأعمال والأقوال ، واختم لنا بخير . وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين .
***
----------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق