من الأمثال المشهور
وافقَ شَـنٌّ طَـبَـقَـة
حيث كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له : شَـنّ ، فقال : والله ، لأطوفن (1) حتى أجد لي امرأة مثلي أتزوجها ، فبينما هو في بعض مسيـره إذا رافقه رجل في الطريق ، فسأله شَـنّ : أين تريد ؟ فقال : موضع كذا ، يريد القرية التي يقصدها ، فرافقه حتّى أخذا في مسيـرهما ، قال له شَـنّ : أتحملني أم أحملُك ؟
فقال له الرجل : يا جاهل ، أنا راكبٌ وأنت راكبٌ ، فيكف أحملك أو تحملني ؟ فسكت عنه شَـنّ .
وسَارَا حتّى إذا قَـرُبَا من القرية ، إذا بزرعٍ قد استحصد (2) فقال شَـنّ : أترى هذا الزرع أُكِل أَم لا ؟
فقال له الرجل : يا جاهل ، ترى نَـبْـتًا مُـسْـتَـحصدًا فتقول : أُكِـل أم لا ، فسكت عنه شَـنّ حتّى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة ، فقال شَـنّ : أترى صاحب هذا النعش حيًّا أو ميتًا ؟
فقال له الرجل : ما رأيتُ أجهل منك ، ترى جنازةً تسأل عنها أميتٌ صاحبها أم حيّ ؟ فسكت عنه شَـنّ ، فأراد مفارقته ، فأبى الرجل أن يتركه حتّى يصير به إلى منـزله ، فمضى معه ، وكان للرجل بنتٌ يُـقال لها : طَـبَـقَـة ، فلما دخل عليها أبوها سألت عن ضيفه ، فأخبرها بمرافقته إيّاه وشكا إليها جهله ، وحدّثها بحديثه .
فقالت : يا أبتِ ، ما هذا بجاهلٍ ، أمّا قوله : أتحملني أم أحملك ، فأراد أتحدّثني أم أحدّثك حتى نقطع طريقنا .
وأمّا قوله : أترى هذا الزرع أكل أم لا ، فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا ؟
وأما قوله في الجنازة ، فأراد هل ترك عَـقِـبـًا يحيا به ذكره أم لا .
فخرج الرجل فقعد مع شَـنّ ، فحادثه ساعةً ثم قال : أتحبّ أن أفسّر لك ما سألتني عنه ؟ قال : نعم ، ففسَّره ، فقال شَـنّ : ما هذا من كلامك ، فأخبرني مَن صَاحِبُه ؟ قال : ابنة لي ، فخطبها إليه فزوجه إيّاها ، وحملها إلى أهله ، فلما عرفوا عقلها ودهاءَها قالوا : (( وافقَ شَـنٌّ طَـبَـقَـة )) .
راجع (( مجمع الأمثال للميداني )) (2/211) و (( الأذكياء )) لابن الجوزي : ص (220) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أطوّفن : أطوف في البلاد والبوادي .
(2) استحصد : آن وقت حصاده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق